تقع مدينة طرابلس العاصمة الثانية للجمهورية اللبنانية ‘فوق سهل منُبسطٍ‘ تغسل أطرافه الغربية مياه البحر وتتفيأ بظلال سفوحِ جبال الأرز التي تكتسي قِمَمُها بالثلوج من جهة الشرق‘ ويُشرف عليها من الشمال الشرقي جبل (( الفهود)) تُربل -باستدارته
تبعد طرابلس عن العاصمة بيروت حوالي 80 كيلو متراً‘ كما تبعد عن الحدود السورية نحو 40 كيلو متراً. ويخترقها في الشرق نهر ((أبو علي)) المتدفق من ((ينبوع الحدائق)) بالوادي المقدس((قاديشا))، وهو يفصل بين ربوتَي((أبي سمراء)) جنوباً و((قبة النصر)) شمالاً.
تضرب جذورها في عُمق التاريخ ، وتَرقى إلى ثلاثة آلاف وخمس مائة عام، حيث أسسها الفينيقيون قبل الميلاد بنحو ألف وخمس مائة عام،وتعاقبت عليها الأمم والعهود من الفينيقيين حتى الانتداب الفرنسي،مروراً بالرومان، والبيزنطيين، والفرنجة، والمماليك، والعثمانيين.
تُعتبر طرابلس المدينة الأولى بثروتها التُراثية على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وهي الثانية بآثارها المملوكية بعد القاهرة، وتمثل متحفاً حياً يجمع بين الأوابد الرومانية والبيزنطية ، والآثار الفاطمية والصليبية، والعمارة المملوكية والعثمانية.
إنها مدينة متكاملة بأحيائها، وأسواقها، ودورها، وأزقتها المتعرجة المُلتوية والمسقوفة، ومعالمها التي تمتد من الجنوب إلى الشمال نحو الكيلو مترين، ومن الشرق إلى الغرب نحو الكيلو متر ونصف الكيلو متر، وتضم بين جنباتها أكثر من 160 معلماً بين قلعة، وجامع، ومسجد، ومدرسة، وخان، وحمام، وسوق، وسبيل مياه، وكتابات، ونقوش، ورُنوك، وغيرها من المعالم الجمالية والفنية .
في أسواقها القديمة يتنشق المرء عَبَق التاريخ، ويتنسم روح الشرق، ويشاهد الصناعات والحِرف المحلية المستمدة جذورها من الزمان الخالي ، ويتذوق أشهى الأطعمة والحلويات،ويشتري مختلف الحاجيات بأرخص الأسعار.
وتنعم المدينة، ذات نصف المليون نسمة تقريبا،باعتدال المناخ، ووفرة المياه، وكثرة الفواكه والثمار،وسهولة التنقل، فضلا ً عن حُسن الضيافة، وكرم الوِفادة التي يشتهر بها الطرابلسي الذي يتقن التحدث مع ضيوفه بلُغتهم، ويستقبلهم بترحيبه ولُطفه الموروث من قيمه وحضارته.
وتواكب طرابلس بجهد أبنائها رَكْبَ التطور والحداثة، مع تمسكها بإرث الأجداد. وهي كما وصفها المؤرخون: برية- بحرية، سهلية، - جبلية، شامية- مصرية.
من الملامح العثمانية إلى قلب مدينة المماليك
عندما تصل عزيزي الزائر إلى الساحة المركزية لطرابلس(( التل)) ستجد الساعة العثمانية ذات الطبقات الخمس، المُهداة من السلطان((عبد الحميد الثاني)) وبجوارها حديقة المنشية وقصر ((نوفل))العثماني المعروف بمركز((رشيد كرامي الثقافي البلدي)) بعد أن حولته بلدية المدينة إلى مكتبة عامة وقاعة محاضرات ومعارض، وترى من حول ساحة (( التل)) المباني السكنية والتجارية والفنادق ذات الطراز العثماني .
وفي أقل من دقيقة مشياً على الأقدام تصل إلى ساحة ((الكورة)) التي تتجاور بها العمارة العثمانية والحديثة ، ومنها في دقيقة إلى ساحة السلطان الأشرف خليل بن قلاوون(النجمة سابقاً)حيث بداية حدود المدينة القديمة، ومن هنا تبدأ الجولة السياحية والغوص في سحر الشرق، والتمتع برؤية المعالم الأثرية والتاريخية بزخارفها ونقوشها.
المجمع الاثري الاول:
وخلال دقيقة واحدة يتمَ الوصول إلى المجمع الأثري الأول وفيه : الجامع المنصوري الكبير الذي أسسه السلطان الأشرف((خليل بن قلاوون))، وتم بناؤه عام 1294م. وهو أكبر وأقدم جوامع المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق . وعند مدخله الرئيس على اليمين مدرسة ((الشيخ الهندي)) المعروفة بـ((المشهد))،من مطلع القرن 14م بزخارفها الملونة في الخارج والداخل يسار((المدرسة الشمسية أقدم مدارس المماليك في لبنان من أواخر القرن 13م.وفوقها دار صاحبها القاضي (( شمس الدين الإسكندري)) ومنظرته الخشبية، وهي تقدم اقدم نموذج للبيوت المملوكية القديمة.
وعلى جانب الشارع المقابل تقوم ((المدرسة الناصرية)) التي بناها السلطان (( الناصر حسن بن محمد بن قلاوون)) بين سنتي 1354-1360م.وهي تحمل شعاره فوق بابها . وبجوارها ((مدرسة الخيرية حُسْن)) أسسَتها سنة 1316م.
ومن((الجامع المنصوري)) تصل إلى مدرسة الأمير((شهاب الدين قرطاي))، أكبر وأجمل مدارس المماليك في طرابلس ولبنان على الإطلاق، بناها بين العامين 1316و1326م، وهي تضاهي ببوابتها الشمالية أجمل وأفخم مساجد القاهرة ودمشقوأثناء المرور بالزقاق لا يفوت الزائر أن يأكل من الكعك الطازج الذي يخبز في((فرن قرطاي)) كما كان يُخبز قبل نحو 700سنة .ولا بد من الالتفاف حول المدرسة، عبر سوق العطارين، للوصول إلى زُقاق الأمير من الجهة الجنوبية ،ومطالعة عشرة مراسيم سلطانية من عصر المماليك وقد نُقشت على جدار المدرسة ، ودار الأمير، وباب الجامع الكبير،ويتأمل((رَنك))(شِعار) الأمير ،والكتابات والزخارف الرائعة فوق نوافذ المدرسة.
المجمع الاثري الثاني:
ومن سوق العطارين الذي يعج بالباعة والمارة وأنواع الفاكهة والخضار، وفي دقيقة واحدة، يتم الوصول إلى محلة ((المهاترة))صعوداً بالدَرَج،حيث المجمع الأثري الثاني،فالمحلة متراصة البناء محصنة، تدل بوضوحٍ على أنها الحزام الأمني، والخط الدفاعي المحيط بالقلعة. ففي دقيقة واحدة من بداية الدرج تصل إلى الباب الأثري القديم للمحلة،المُسمى قديماً((الباب الأحمر))، وكان يقفل عند المساء. وعلى يمين الصاعد((مدرسة الرفاعي))من العصر العثماني،وداخل باب المحلة على اليسار((المدرسة العجمية )) وهي مملوكية،بُنيت عام 1365م. وعلى واجهتيْها نقوشٌ كتابية. وعند هذه المدرسة واحدٌ من أقدم وأحصن الأزقة في المدينة وأضيقها، يُعرف قديماً بـ((زقاق الأسرار))،وهو يعتبر نموذجا حياَ من نُظُم العمارة المدينية-الدفاعية في آنٍ معاً.
المجمع الاثري الثالث:
من((بوابة المهاترة))صعوداً بالدَرَج، وفي أقل من 3دقائق نصل إلى المجمع الأثري الثالث قلعة طرابلس أكبر القلاع الحربية في لبنان وأقدمها ،أسسها القائد العربي ((سفيان بن مجيب الأزدي )) عام 636م. وبنى فيها الفاطميون مسجداً أوائل القرن 11م. وجدد القائد التولوزي ((ريموند دي سان جيل)) حصناً فوقه عام 1103م. ثم حوله الأمير المملوكي ((أسَتُدَمُر الكُرْجي))عام 1307م. إلى قلعة وبنى بها أبراجاَ، ثم أضاف السلطان العثماني((سليمان بن سليم الأول))عام 1521م. البرج الشمالي وفيه باب القلعة .
تقع فوق تلةٍ صخرية. وتتألف من 4 طبقات، طولها 130م.وعرضها 70 م. بها حمام قديم و3 مساجد، وسجن، وإسطبل للخيول، وقاعات للقادة وكبار المسؤولين ، وقاعات ضخمة للجند والذخيرة والمدفعية وآبار وخزانات للمياه , وأحواض للشرب , ومقابر, وباحات واسعة للتدريبات العسكرية والاستعراض , وأكثر من 100 حجرة مختلفة الاتساع ,ونحو 10 أبواب في أسفل أسوارها , بعضها يؤدي إلى النهر , وبعضها يؤدي إلى الأسواق الداخلية , وترتفع أسوارها بين 15 ـ 20 م . وبها نوافذ للمدفعية .
ومن على متن السور ، بعرض مترين، يمكن رؤية المدينة مع الميناء وجذورها في البحر ، والطريق إلى بيروت، والطريق إلى حمص، ومن فوق السور الشرقي ترى أجمل لوحة ساحرة لجبال الأرز وسفوحها، ووادي قاديشا، وعلى جانبيه أروع ما أبدع الخالق من جمال الطبيعة. وتشرف من القلعة أيضاً على((تكية الدراويش المولوية)) وهي على مسافة 100متر من القلعة جنوباً بناها ((صمصمجي علي)) في العصر العثماني عام 1619م. .
المجمع الاثري الرابع:
ومن القلعة هبوطا باتجاه الشمال، تصل في 3 دقائق إلى المجمع الأثري الرابع حيث ((طلعة السمك)) فنرى ((جامع الأُويْسية)) من عصر المماليك، بني عام 1462م. ومئذنته العثمانية التي بنيت عام 1535م. وعلى جانبيه توجد مدرستان ملحَقَتان به، فيه مقام والي طرابلس العثماني((أحمد باشا الشالق )) المؤرخ عام 1665م. وعليه كتابة بالعثمانية وضريح((محمود بك السنجق)) المؤرخ عام 1621م. وبجوار الجامع آثار كنيسة من عهد الصليبيين .
وفي نصف دقيقة تصل إلى زقاق ((سيدي عبد الواحد))وفيه((خان الخشب)) وأمامه جامع ((السيد عبد الواحد المكناسي )) المغربي الطراز، المبني في عصر المماليك عام 1305م. وعند مدخله مقام((عبد السلام المشيشي))من أهل المغرب .
وبقرب الجامع مسجد ((البهاء))وهو قديم جدده((أحمد بروانة)) عام 1750م. ثم جدده ((عبد الله البهاء الحلبي)) عام 1819م. ،وعلى مقربة من المسجد دار أحد أعيان المدينة في العصر المملوكي، زُينت عَتَبَتُها بالزخارف الرائعة، ويمتاز هذا الزقاق بأن نصفه مسقوف بالمساكن ،وهو الطابع السائد في تخطيط المدينة القديمة.
من زقاق (( سيدي عبد الواحد )) تصل فوراَ إلى ((سوق العطارين)) بطرفه الشمالي،ومنه إلى ((سوق البازركان)) قلب الأسواق النابضة بالحياة، المتخصص بالأقمشة بأنواعها وألوانها. ويمكنك وأنت تسير أن تشرب من عصير البرتقال، أو عصير الجزر، أو التمر الهندي .
المجمع الاثري الخامس
وتتابع سيرك لتصل إلى المجمع الأثري الخامس ، إذ يستوقفك((حمام عز الدين )) من عصر المماليك،وهو أكبر حمامات طرابلس ولبنان بُني بين العامين 1295و 1299م، وترى الكتابة والنقوش اللاتينية فوق بابه الخارجي والداخلي، وهي تشير إلى أنها من بقايا الآثار الصليبية .
وبعد الحمام بخطوات قليلة(( خان الخياطين )) أشهر خانات طرابلس وأجملها المتخصص بالخياطة والأزياء الطرابلسية والوطنية العربية، والتي نالت شهرة عالمية في العصور الوسطى، ولا تزال إلى الآن تنال إعجاب السائحين والزائرين، ولا يفوتهم شراء عباءة، أو زنار حرير، أو قفطان رجالي، أو ثوب نسائي، مشغول بيد فنان طرابلسي ماهرورِث حرفته عن أبيه، عن جده. وتُفضِل أشهرُ الفِرَق الفنية الاستعراضية اللبنانية والعربية أن تأخذ أزياءها المشغولة بأيدي الخياطين الطرابلسيين المُبدعين ويَرْقى تاريخ هذا الخان إلى ما قبل عصر المماليك، حيث عُثر عند بابه الغربي على آثار بيزنطية.
وبمواجهة ((خان الخياطين )) مباشرة((خان المصريين)) لا يفصل بينهما سوى الطريق، وهو مربع الشكل، من بناء السلطان المملوكي ((الناصر محمد بن قلاوون)) في النصف الأول من القرن 14م. وكان خاصاً بالتجار والنُزلاء القادمين من مصر.
وفي أقل من دقيقة من ((خان الخياطين )) و((خان المصريين))، نصل إلى ((جامع العطار )) من عصر المماليك، بناه((بدر الدين العطار))حوالي سنة 1325م. وتستوقفنا بوابته الشرقية بزخارفها ونقوشها الرائعة الملونة .
ولك أن تدور حول الجامع شمالاً لتشاهد مئذنته العالية الضخمة وهي أشبه بالبرج الحربي، ثم تصل إلى باب الجامع الغربي عبر طريق مسقوفة ،لتتعرف على أشهر المهندسين المعماريين في تاريخ طرابلس ((أبو بكر البعلبكي))المعروف (( بابن البُصَيص)).
المجمع الاثري السادس
وفي نصف دقيقة من الباب الغربي لجامع العطار، تصل إلى المجمع الأثري السادس، فيُقابلك ((خان الجاويش )) المشغول معرضاً للأثاث ، وبداخله كتابة بالعثمانية، وبجواره على جانبي الطريق، حوانيت لِحِرَفيين يعملون في الصناعات الطرابلسية التقليدية تستحق التأمل.
وفي ثوانٍ معدودة تصل إلى عُقدة من الطرق المسقوفة، جدرانها من الحجارة الرملية التي تُنْبئ عن حصانة المحلة، وهي((التربيعة)) مما يدل على أنها سابقة لعصر المماليك، ويظهر فوق الطريق قصرُ الأمير المملوكي ((سَنْجَر الحمصي ))الذي سكنه عام 1324م.. وعلى مسافة أقل من دقيقةٍ، غرباً، ((ساحة الحمصي)) وتُعرف حالياً ((التربيعة)) وفيها مدرسة الأمير(( سنجر الحمصي)) أيضاً وترى المحلات الكبيرة المزينة أرضها بالرخام وهي تعرض المفروشات .
وفي دقيقة من الساحة المذكورة باتجاه الغرب أيضاً، طريق ضيقة ومسقوفة ، على جانبيها بيوت، ومدرسة ، وخان، وجدار به نوافذ حربية للدفاع عن البوابة التي كانت عند آخر الطريق، وهي تؤدي إلى نطاق المدينة القديمة.
المجمع الاثري السابع
من بوابة التربية، وفي دقيقة واحدة تمر في طريقك بجوار جامع ((شرف الدين)) الذي أسسه حاكم طرابلس العثماني (( علي بك الأسعد المرعبي )) عم 1824م. وتصل إلى حي النصارى الذي يشكل المجمع الأثري السابع حيث تتجمع عدة كنائس، أقدمها كنيسة ((مار نقولا)) للروم الأرثوذكس ، كانت في الأساس مصبغةً لأسرة طرابلسية مسلمة تنازلت عنها وحُولت إلى كنيسة عُرفت بـ((كنيسة السبعة)) ، وجرى تأسيسها عام 1809م. وبقربها أقيمت كنيسة((مار جاورجيوس))للروم الأرثوذكس أيضا بين عامي 1862و1873م.، وكنيسة ((ما ميخائيل )) للموارنة، وقد بُنيت عام 1889م. تقابلها كنيسة صغيرة للاتين مُلحَقة بمدرسة الطليان. وعلى مسافة دقيقة في شارع الكنائس باتجاه الشمال نجد كنيسة ((مار يوسف)) للسُريان الكاثوليك، وكانت في الأسساس للفرنسيسكان ، وقد بُنيت في القرن 19م.وعلى مسافة دقيقة واحدة من هذه الكنيسة يقوم، ناحية الغرب، جامع ((الحميدي)) نسبةً للسلطان العثماني (( عبد الحميد الثاني)) حيث جدد في عهده عام 1892م. وكان قديماً يُسمى ((جامع التفَاحي))
المجمع الاثري الثامن
ومن (( الجامع الحميدي)) يتجه الزائر شرقاً نحو المجمع الأثري الثامن في حي الدباغة،فيصل في دقيقة واحدة إلى أكبر خانات في طرابلس ولبنان((خان العسكر ))، المؤلف من ثلاثة أقسام تنتمي إلى ثلاثة عصور ، هي على التوالي: صليبية ، مملوكية، وعثمانية،ويرى ((الطُغْراء)) العثمانية المؤرخة في عام1825م. في عهد السلطان (( عبد المجيد )) فوق الباب الشرقي للخان .
وبجوار الخان((جامع التوبة)) من عصر المماليك، بناه السلطان (( الناصر محمد بن قلاوون))حوالي عام 1315م.
وجُدد في عهد ((بني سيفا)) أمراء طرابلس في العصر العثماني عام 1612م. .
وباتجاه الشرق ،وخلال دقيقة واحدة يصل الزائر إلى السوق الأثري المعروف بـ((سوق حراج))، وهو من عصر المماليك وربما أقدم من ذلك،ويتأمل الأعمدة الغرانيتية المرتفعة التي تتوسط ساحته، والأعمدة الضخمة القائمة داخل الحوانيت حول الباحة ، ويشاهد الصناعات والحِرَف الطرابلسية التقليدية، الخشبية، والقُطْنية، والجلدية. ومن الصناعات اليدوية: كرسي القَش، والقباقيب، وقوالب صنع الحلوى وخاصة ((المعمول)) الطرابلسي في الأعياد، والشوبك ((لمد العجين والملاعق الخشبية ، وتنجيد الصوف والقطن للفرش والملاحف والوسائد بالطريقة الطرابلسية، باستعمال آلة ((النداف)) ،وصناعة الأحذية والمَحاَفظ الجلدية، وغير ذلك من أدواتٍ يمكن التبضع منها كهدايا وتُحفٍ بأسعار مُغْرية.
وفي دقيقة واحدة يصل من ((سوق حراج))إلى((بركة الملاحة)) التي كانت تُملأ في الأعياد بأنواع الشراب ، من عصير البرتقال، أو التمر هندي، أو الليمون، أو السوس، ويشرب منها الناس مجاناً لمدة ثلاثة أيام، وأحياناً لمدة أسبوع كامل.
المجمع الاثري التاسع
من(( بركة الملاحة )) يمكن الوصول جنوباً إلى المجمع الأثري التاسع في دقيقتين، ومحوره((جامع البُرطاسي))، وقبل الوصول إلى الجامع، يمر الزائر في منتصف الطريق، بقرب قصر الأمير المملوكي((سيف الدين أَلْطُنْطاش)) من القرن 13م. وبعده يرى لوحة مرسومٍ من عصر المماليك بتاريخ 1400م. ضمن جدار في زُقاق على يسار الطريق.
ثم يتم الوصول إلى مدرسة مملوكية، دُفن فيها مجموعة من رجالات طرابلس الذين قطع رؤوسهم ((إبراهيم باشا ابن محمد علي )) في العام 1834م. فسُميت مدرسة الشهداء ،وعند المدرسة بركة ماء يشرب منها الناس مجاناً، وهي واحدة من عشرات البِرَك وسُبُل المياه المنتشرة في أسواق المدينة القديمة، وتتميز بها عن غيرها من المدن.
وبجانب المدرسة والبركة الباب الشرقي لخان الخياطين، وأمامه باتجاه الشرق أيضاً (( جامع البُرطاسي )) بناه((عيس بن عمرو البُرطاسي )) عام 1310م. وهو من أجمل الجوامع المملوكية، به تأثيرات بيزنطية في المحراب، وكتابات فاطمية، ونقوش فوق الباب، وهندسة مغربية - أندلسية في المئذنة المدهشة، وهي تقوم فوق نصف عِقْد فارغ فوق البوابة رغم ثِقلها وارتفاعها.
ومن الجامع باتجاه الجنوب الغربي، وفي دقيقتين يمكن الوصول إلى طريق قديمة من عهد الصليبيين تُعرف بـ((تحت السباط)) حسب اللهجة الطرابلسية، وهي((الساباط)) أي الطريق المسقوف، ومنه كان يتم الصعود إلى القلعة أو النزول منها في حال التعرض للحصار.
وفي أول هذه الطريق(( المدرسة الظاهرية)) من عصر المماليك بناها الأمير ((تغري بَرْمِش الظاهري)) عام 1397م..
المجمع الاثري العاشر
بعدها يمكن التوجه إلى المجمع الأثري العاشر ، ففي دقيقتين يتم الوصول غرباً إلى قصر الأمير ((عز الدين أيبك الموصلي))وهو من عصر المماليك ، به زخارف أندلسية شبيهة بقصر الحمراء في غَرْناطة ، وبعد القصر ضريح الأمير، وفوق نافذته اللوحة التاريخية العائدة لعام 1299م.
وفي أقل من دقيقة يمكن الوصول إلى ((المدرسة القادرية))من عصر المماليك وهي على يسار الطريق، من القرن 14م. ، وأمامها ((حمام عز الدين )) الذي تقدم ذكره في المجمع الخامس .
ومن موقع الحمام يبدأ((سوق النحاسين )) باتجاه الغرب. وفي هذا السوق تتجلى براعة الطرابلسيين وهم يصنعون بأيديهم النحاسيات والتحف الرائعة التي يتشوق الزوار لشرائها واقتنائها، وتزيين بيوتهم بها.
وفي أقل من دقيقتين يصل المرء إلى مسجد ((الحُجَيْجيّة)) من عصر المماليك،وهو من بقايا الأبنية الصليبية .
وفي زقاق((البرطاسية)) بجوار المسجد، يوجد ((مزار السيدة)) للروم الأرثوذكس، من العصر الصليبي، يزوره المؤمنون إلى الآن ، وتظهر الحروف اللاتينية منقوشة على عقده، وفي أسفله بقايا ((حمام البرطاسي ))القديم وعلى جدرانه تزيينات وزخارف متفرقة .
وفي نهاية الزقاق، وخلال دقيقة واحدة، يتم الوصول جنوباً إلى مدرسة((القاضي أوغلو))العثماني، وتقع في أول سوق((الكندرجية))من جهة الغرب، وهو أحد الأسواق المزدحمة بالمارة، وفيه محلات بيع الملابس وأحدث الأزياء، ومحلات بيع الأحذية والحقائب النسائية، بأسعار رخيصة لا تضاهى .
المجمع الاثري الحادي عشر
ومن سوق ((الكندرجية))الذي نجتا زه من الغرب إلى الشرق في أقل من دقيقتين ، ننعطف يميناً باتجاه الجنوب، لنصل إلى المجمع الأثري الحادي عشر،وفيه سوق((الصياغين)) من أجمل وأقدم أسواق طرابلس، وهو خاص بمحلات صياغة وبيع الذهب والمجوهرات المصنعة بأيدي الفنانين الطرابلسيين، أو المستوردة من الخارج، ويضم السوق ((خان الصابون)) من العصر المملوكي، وبه صناعة الصابون الطرابلسي المعطر والملون، وهو يتمتع بشهرة عالمية عبر العصور، لوفرة الزيت النقي الذي تنتجه سهول الزيتون المحيطة بطرابلس، وخاصة سهول الكورة ذات الشهرة العالمية،
وفي وسط السوق، على اليمين زقاق، ((حمام العبد)) وهو من العصر العثماني ولا زال يعمل إلى الآن، ويستحق الزيارة،
وعلى بعد خطوات قليلة ، زقاق الحمام ، توجد ((المدرسة الطواشية))من عصر المملوكي، وهي من أجمل مدارس طرابلس ذات التأثيرات الأندلسية.
وأمام((الطواشية)) شرقاً وعلى مسافة 5أمتار فقط توجد مدرسة مملوكية أخرى، ومن ((الطواشية)) أيضاً باتجاه الجنوب، وفي نصف دقيقة، نصل إلى مدرسة مملوكية عثمانية وقد تحولت إلى متجر للذهب، تدل عليها قبتها من الخارج ومحرابها في الداخل . والزاوية المقبلة جنوباً مدرسة أخرى وقد تحولت إلى متجر أيضاً .
وننعطف يمينا بين المدرستين (المتجرين)لنصل في نصف دقيقة غرباً إلى زقاق صغير يعرف بـ(( زقاق النمل )) بداخله مدرسة مملوكية تزين بابها زخارف هندسية بديعة ومن حولها باحة وحجرات(( المحكمة الشرعية))القديمة وفوقها ((دار القاضي))المزخرفة.
ونعود إلى سوق الصياغين ونتابع السير جنوباً ، فنصل في أقل من نصف دقيقة إلى ((المدرسة النورية)) الجميلة ، وبداخلها أجمل محراب من عصر المماليك، بناها الأمير((سنقر النوري))بين العامين1305- 1310م. وبها قبر بناه الأمير المملوكي((طرمش الدوادار)).
وأمام المدرسة مباشرة، باتجاه الشرق((حمام النوري))بناه((الأمير نور الدين سنقر)) مع المدرسة، وإليه ينسب الحي أو المحلة، فعرف بـ((حي النوري)) أو(( سويقة النوري)).
المجمع الاثري الثاني عشر
من محلة النوري ،اذا وقفنا أمام مدرسة ((الخيرية حُسن)).ووجهنا نظرنا جنوباً نحو المجمع الأثري الثاني عشر. فسنرى على مسافة تبعد نحو 100متر مدرستين مملوكتين ، إحداهما على اليمين ، والآخرة على الشمال ، يفصل بينهما خمسة أمتار هي عرض الطريق.
فالمدرسة اليمنى هي ((المدرسة السقرقية))، بناها الأمير((سيف الدين أقطرق الحاجب)) قبيل 1358م. يزين واجهتها الشرقية شريطان طويلان نقش فيهما وقفية المدرسة مع شعار الأمير((السيف)) وداخل المدرسة قبر فوق قبة مضلعة ، نقش بداخلها كتابة قرآنية بالخط الديواني.
وعلى بعد نحو30 متراً إلى الجنوب من السقرقية،جامع((أرغون شاه))بناه الأمير المملوكي((أرغون الإبراهيمي))بين العامين 1392و1400م. فوق بابه مرسوم للسلطان ((قايتباي))تاريخه 1475م. ويمتاز الجامع بمئذنته الأسطوانية المزخرفة .
وأمام ((المدرسة السقرقية)) شرقاً نرى ((المدرسة الخاتونية))، وفي بوابتها نقشت الوقفية، وعلى جدارها الغربي نقش ((رنك)) أي شعار ((الكأس)).
ومن أمام ((المدرسة الخاتونية)) نتوجه شرقاًً إلى محلة ((قهوة الحتة)) باسمها المصري العامي، فنصل في أقل من دقيقتين إلى ((جامع الطحام)) المملوكي، ذي المئذنة الرائعة بزخارفها،وهو مرتفع فوق صف من الدكاكين.
ومن تحت الجامع يحسن المرور بطلعة ((العوينات)) البيضاوية الشكل ذات المنافذ الثلاثة، والفريدة بتخطيطها المدني القديم وفيها المعالم المملوكية العثمانية، وذلك في مدة 3دقائق.
المجمع الاثري الثالث عشر
وفي الطريق الثالثة من((العوينات)) جنوباً نصل إلى المجمع الأثري الثالث عشر فنرى على اليسار زقاق ((رباط الخيل)) وفوقه كتابة منقوشة، ونوافذ حربية لرمي السهام.
وأمام الرباط على اليمين مبنى ((الخانقاه))ببوابتها المملوكية، وبداخلها باحة في وسطها بركة ماء، ومن حولها حجرات تسكنها نسوة أرامل لا معيل لهن، وفي الجهة الجنوبية مسجد وحجرة فيها قبر السيدة الصالحة صاحبة المبنى الفريد من نوعه في لبنان.
ومن ((الخانقاه)) نزولاً باتجاه الغرب، وعلى مسافة دقيقة واحدة، يوجد على اليمين ((جامع المعلق)) العثماني بناه((محمود لطفي الزعيم))عام 1556م.وهو فوق صف من الدكاكين وفوق الطريق، وبجواره حديقة فيها قبر صاحبه((الزعيم)).
وبمواجهة الطريق ، بجوار الجامع ، يقع ((الحمام الجديد))بناه والي طرابلس العثماني ((إبراهيم باشا العظم)) بين العامين 1721و1730م.وهو من أجمل وأفخم الحمامات في لبنان، تزين بوابته سلسلة حجرية متداخلة الحلقات، وهي كلها من حجر واحد.
وفي جدار الحمام عند طرفه الجنوبي ، سبيل ماء مملوكي يعرف بـ((سبيل التينة))،بناه الأمير ((محمد بن مباركشاه العلائي))عام 1414م. وبداخله اللوحة التاريخية.
وفي الطريق من الحمام والسبيل جنوباً إلى أشهر المقاهي الشعبية وأكبرها ((مقهى موسى)) التي يتم الوصول إليها في دقيقتين ،لابد من الوقوف في منتصف الطريق عند أشهر حلواني متخصص بصناعة ((حلاوة الجبن))، وهي أشهر ما يميز طرابلس بحلوياتها ذات الصيت الذائع في لبنان وبلاد الشام كلها، بل ترسل إلى أنحاء الدنيا في بالبريد السريع. مع صناعة مربى زهر الليمون، وماء الزهر،وماء الورد، وهي من أشهر الهدايا التذكارية التي تحمل من طرابلس .
المجمع الاثري الرابع عشر
من ((مقهى موسى)) نتوجه غرباً إلى أجمل وأفخم جوامع طرابلس ولبنان على الإطلاق ، ((جامع طينال)) وهو لوحده يشكل (( المجمع الأثري الرابع عشر)) يتم الوصول اليه في أقل من 3 دقائق، وتقع على جانب الطريق مقبرة المسلمين الرئيسة المعروفة بـ((باب الرمل)). والجامع مملوكي بناه الأمير((سيف الدين طينال الأشرفي الحاجب)) عام 1336م. وهو يضاهي أجمل جوامع القاهرة ودمشق. يتألف من بيتين للصلاة، بينهما أروع بوابة من الرخام، هي تحفة فنية بهندستها، وزخارفها، وكتاباتها، وألونها.
وفي بيت الصلاة الأول تتألف عناصر الغرانيت في الأعمدة المجلوبة من مصر الفرعونية، والتيجان الرخامية الكورنشية من العصر البيزنطي، والعقود والقباب الرملية المملوكية .وفي بيت الصلاة الثاني (الداخلي)، المحراب والمنبر الخشبي، من عمل المعلم ((محمد الصفدي)) عام 1336م. ويتميز الجامع بمئذنته الفريدة ذات السلمين اللولبين من الحجارة، وهما فوق بعضهما، لا يرى الصاعد أو النازل منهما بعضهما البعض، ولها بابان، داخل الجامع وخارجه، والمئذنة عبارة عن برج حربي يشبه قطعة (( الرخ)) في رقعة الشطرنج ، وفي أعلاها شعار الأمير ((الكأس)). وعلى يمين الجامع 4حجرات في صف واحد مخصصة لمجالس القضاة الأربعة بطرابلس في عصر المماليك ، على المذاهب الأربعة: الشافعي، الحنفي، المالكي، والحنبلي.
ومن ((جامع طينال )) يشاهد((جامع الصديق))، وهو حديث تميزه مئذنته العالية، ورأسها يشبه صاروخ الفضاء، وقد صممه مهندس طرابلسي عام 1960م.مستوحياً شكل الصواريخ التي كانت تحمل
المركبات الفضائية والتي اشتهرت في تلك الفترة .